سورة فاطر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


قوله تعالى: {من كان يُريد العِزَّة} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: من كان يريد العزَّة بعبادة الأوثان {فللّه العِزَّةُ جميعاً}، قاله مجاهد.
والثاني: من كان يريد العزَّة فليتعزَّز بطاعة الله، قاله قتادة. وقد روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ ربَّكم يقول كل يوم: أنا العزيز، فمن أراد عِزَّ الدَّارَيْن فليُطِع العزيز»
والثالث: من كان يريد عِلْم العزَّة لِمن هي، فانها لله جميعاً، قاله الفراء.
قوله تعالى: {إِليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ} وقرأ ابن مسعود، وأبو عبد الرحمن السلمي، والنخعي، والجحدري، والشيزري عن الكسائي: {يُصْعَدُ الكلامُ الطَّيِّبُ} وهو توحيده وذِكْره {والعملُ الصَّالح يَرْفَعُهُ} قال علي بن المديني: الكِلَم الطَّيِّب: لا إِله إِلا الله، والعمل الصالح: أداء الفرائض واجتناب المحارم.
وفي هاء الكناية في قوله: {يرفعه} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إِلى الكَلِم الطَّيِّب؛ فالمعنى: والعمل الصالح يرفع الكَلِم الطَّيِّب، قاله ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك. وكان الحسن يقول: يُعْرَض القولُ على الفعل، فان وافق القولَ الفعلُ قُبِل، وإِن خالف رُدَّ.
والثاني: أنها ترجع إِلى العمل الصالح، فالمعنى: والعمل الصالح يرفعُه الكَلِم الطَّيِّب، فهو عكس القول الأول، وبه قال أبو صالح، وشهر بن حوشب. فاذا قلنا: إِن الكَلِم الطَّيِّب هو التوحيد، كانت فائدة هذا القول أنه لا يُقْبَلُ عملٌ صالح إِلا من مُوحِّد.
والثالث: أنها ترجع إِلى الله عز وجل؛ فالمعنى: والعمل الصالح يرفعُه اللّهُ إِليه، أي: يَقْبَلُه، قاله قتادة.
قوله تعالى: {والذين يمكُرون السَّيِّئات} قال أبو عبيدة: يمكرون: بمعنى: يكتسِبون ويجترحِون. ثم في المشار إِليهم أربعة أقوال.
أحدها: أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، قاله أبو العالية.
والثاني: أنهم أصحاب الرِّياءَ، قاله مجاهد، وشهر بن حوشب.
والثالث: أنهم الذين يعملون السَّيِّئات، قاله قتادة، وابن السائب.
والرابع: أنهم قائلو الشِّرك، قاله مقاتل.
وفي معنى {يَبُورُ} قولان:
أحدهما: يَبْطُلُ، قاله ابن قتيبة.
والثاني: يَفْسُدُ قاله الزجاج.


قوله تعالى: {واللّهُ خَلقكم من تراب} يعني آدم {ثُمَّ من نُطفة} يعني نسله {ثم جَعَلكم أزواجاً} أي: أصنافاً، ذكوراً وإِناثاً؛ قال قتادة: زوَّج بعضهم ببعض.
قوله تعالى: {وما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} أي: ما يطُول عمر أحد {ولا يُنْقَصُ} وقرأ الحسن، ويعقوب: {يَنْقُصُ} بفتح الياء وضم القاف {مِنْ عُمُره} في هذه الهاء قولان:
أحدهما: أنها كناية عن آخر، فالمعنى: ولا يُنْقَص من عمر آخر؛ وهذا المعنى في رواية العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في آخرين. قال الفراء: وإِنما كني عنه كأنه الأول، لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأول، كأنه قال: ولا يُنْقَصُ من عمر مُعَمَّر، ومثله في الكلام: عندي درهم ونصفه؛ والمعنى: ونصف آخر.
والثاني: أنها ترجع إِلى المُعَمَّر المذكور؛ فالمعنى: ما يذهب من عمر هذا المُعَمَّر يومٌ أو ليلة إِلاَّ وذلك مكتوب؛ قال سعيد بن جبير: مكتوب في أول الكتاب: عمره كذا وكذا سنة، ثم يُكتب أسفل من ذلك: ذهب يوم، ذهب يومان، ذهبت ثلاثة، إِلى أن ينقطع عُمُره؛ وهذا المعنى في رواية ابن جبير عن ابن عباس، وبه قال عكرمة وأبو مالك في آخرين.
فأما الكتاب، فهو اللوح المحفوظ.
وفي قوله: {إِنَّ ذلك على الله يسيرٌ} قولان:
أحدهما: أنه يرجع إِلى كتابة الآجال.
والثاني: إِلى زيادة العُمُر ونقصانه.
قوله تعالى: {وما يستوي البحران} يعني العذب والمِلْح؛ وهذه الآية وما بعدها قد سبق بيانه [الفرقان: 53، النحل: 14، آل عمران: 27، الرعد: 2] إِلى قوله: {ما يَمْلِكون من قِطْمير} قال ابن عباس: هو القِشْر الذي يكون على ظهر النَّواة.
قوله تعالى: {إِن تَدْعُوهم لا يَسْمَعوا دُعاءُكم} لأنهم جماد {ولو سَمِعُوا} بأن يخلق الله لهم أسماعاً {ما استجابوا لكم} أي: لم يكن عندهم إِجابة {ويومَ القيامة يكفُرون بشِرككم} أي: يتبرَّؤون من عبادتكم {ولا يُنَبِّئُكَ} يا محمد {مِثْلُ خبير} أي: عالِم بالأشياء، يعني نفسه عز وجل؛ والمعنى أنه لا أَخْبَرَ منه عز وجل بما أَخبر أنَّه سيكون.


{يا أيُّها النَّاسُ أنتم الفقراء إِلى الله} أي: المحتاجون إِليه {واللّهُ هو الغنيُّ} عن عبادتكم {الحميد} عند خلقه باحسانه إِليهم. وما بعد هذا قد تقدم بيانه [إبراهيم: 19، الأنعام: 164] إِلى قوله: {وإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي: نَفْس مُثْقَلة بالذُّنوب {إِلى حِمْلها} الذي حملتْ من الخطايا {لا يُحْمَلْ منه شيءٌ ولو كان} الذي تدعوه {ذا قربى} ذا قرابة {إِنما تُنْذِرُ الذين يَخْشَوْنَ ربَّهم بالغيب} أي: يخشونه ولم يَرَوه؛ والمعنى: إِنما تَنفع بانذارك أهل الخشية، فكأنك تُنذرهم دون غيرهم لمكان اختصاصهم بالانتفاع، {ومن تَزَكَّى} أي: تطهَّر من الشِّرك والفواحش، وفعلَ الخير {فانَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسه} أي: فصلاحُه لنَفْسه {وإِلى الله المَصيرُ} فيجزي بالأعمال.
{وما يستوي الأعمى والبصير} يعني المؤمن والمشرك، {ولا الظلُّمُاتُ} يعني الشِّرك والضَّلالات {ولا النُّورُ} الهدى والإِيمان، {ولا الظِّلُّ ولا الحَرورُ} فيه قولان:
أحدهما: ظِلُّ اللَّيل وسَمُوم النهار، قاله عطاء.
والثاني: الظِّلُّ: الجَنَّة، والحَرُور: النَّار، قاله مجاهد. قال الفراء: الحَرُور بمنزلة السَّمُوم، وهي الرِّياح الحارَّة. والحَرُور تكون بالنَّهار وبالليل، والسَّمُوم لا تكون إِلا بالنَّهار. وقال أبو عبيدة: الحَرُور تكون بالنَّهار مع الشمس، وكان رؤبة يقول: الحَرور باللَّيل، والسَّمُوم بالنَّهار.
قوله تعالى: {وما يستوي الأحياءُ ولا الأمواتُ} فيهم قولان:
أحدهما: أن الأحياء: المؤمنون، والأموات: الكفار.
والثاني: أن الأحياء: العقلاء، والأموات: الجُهَّال. وفي {لا} المذكورة في هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها زائدة مؤكِّدة.
والثاني: أنها نافية لاستواء أحد المذكورَين مع الآخر.
قال قتادة: هذه أمثال ضربها اللّهُ تعالى للمؤمن والكافر، يقول: كما لا تستوي هذه الأشياء، كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن.
{إِنَّ الله يُسْمِعُ من يشاء} أي: يُفهم من يريد إِفهامه {وما أنت بِمُسْمِعٍ مَنْ في القُبور} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، والجحدري: {بِمُسْمِعِ مَنْ} على الإِضافة؛ يعني الكفار، شبههم بالموتى، {إِن أنتَ إِلاَّ نذير} قال بعض المفسرين: نُسخ معناها بآية السيف.
قوله تعالى: {وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فيها نذير} أي: ما من أُمَّة إِلا قد جاءها رسول. وما بعد هذا قد سبق بيانه [آل عمران: 184، الحج: 44] إِلى قوله: {فكيف كان نَكيرِِ} أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب، وافقه في الوصل ورش.

1 | 2 | 3 | 4 | 5